الخميس 13 مارس 2025 07:54 صـ 13 رمضان 1446 هـ
اقرأ الخبر
رئيس التحرير هبة عبد الحفيظ
×

هل يمكن لـ”الناتو” الصمود دون الولايات المتحدة؟

السبت 8 مارس 2025 04:13 مـ 8 رمضان 1446 هـ
هل يصمد الناتو بدون أمريكا - اقرأ الخبر
هل يصمد الناتو بدون أمريكا - اقرأ الخبر

تواجه أوروبا واقعًا جديدًا يهدد استقرارها، حيث لم يعد اعتبار الولايات المتحدة العمود الفقري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أمرًا مسلمًا به، بعد أن ضمنت أمن القارة لما يقرب من 80 عامًا.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أظهر عداءً علنيًا تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأبدى تقاربًا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأطلق تصريحات مشككة في التزامه بالدفاع عن حلفاء الناتو إذا لم يدفعوا مستحقاتهم، ما أجبر القادة الأوروبيين على التفكير في احتمال لم يكن مطروحًا من قبل: هل لا تزال الولايات المتحدة شريكًا أمنيًا يمكن الوثوق به في ظل أكبر حرب تشهدها القارة منذ الأربعينيات؟

هل يصمد الناتو بدون أمريكا؟

لكن حتى بدون الولايات المتحدة، لا يمكن اعتبار الناتو عاجزًا، إذ يمتلك الحلف أكثر من مليون جندي وأسلحة حديثة مقدمة من الدول الأعضاء الـ 31 الأخرى. كما أن لدى أوروبا الموارد المالية والتكنولوجيا اللازمة للدفاع عن نفسها، وفقًا للخبراء.

تشير بيانات الناتو إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا هما أكبر المساهمين في ميزانية الحلف العسكرية والمدنية وبرامج الاستثمار الأمني بنسبة تقارب 16% لكل منهما، تليهما بريطانيا بـ 11% وفرنسا بـ 10%. ويؤكد المحللون أن تعويض أوروبا لحصة الولايات المتحدة ليس مستحيلًا.

يقول بن شريير، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الاستراتيجية الدولية (IISS) في أوروبا، إنه إذا اتحدت الدول الأوروبية واستثمرت في المعدات العسكرية الصحيحة، يمكن أن تشكل "قوة ردع تقليدية ونووية جدية" ضد روسيا. ويضيف: "السؤال ليس ما إذا كانت أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها، بل ما إذا كانت مستعدة لذلك".

تراجع الالتزام الأمريكي يهدد وحدة التحالف

لطالما كانت الولايات المتحدة هي القوة التي تبقي التحالف متماسكًا. خلال الحرب الباردة، تمركزت القوات الأمريكية في أوروبا لردع أي توسع سوفيتي، وشهدت نهاية حلف وارسو مع سقوط جدار برلين عام 1989. كذلك، قادت واشنطن عمليات الناتو في البلقان في التسعينيات، وساعدت أوكرانيا حتى مجيء إدارة ترامب الثانية في يناير 2025.

لكن المحللين يرون أن التضامن عبر الأطلسي قد انتهى في الأيام الأخيرة. ويصف دان فريد، الزميل في المجلس الأطلسي والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، خلاف ترامب مع زيلينسكي وتعليق المساعدات الأمريكية لكييف بأنه "يمثل قطيعة أعمق، ليس فقط مع أوكرانيا، ولكن مع الاستراتيجية الأمريكية للعالم الحر من عهد ترومان إلى ريغان".

ويذهب جون لو، المسؤول السابق في الناتو والزميل في مركز تشاثام هاوس، إلى أبعد من ذلك، قائلًا إن الولايات المتحدة لم تعد ترى أوروبا كحليف بل كمنافس أو خصم. وأضاف: "بمجرد أن يبدأ الالتزام الأمريكي في التراجع، فإنه يتلاشى بالكامل"، مشيرًا إلى أن بعض الدوائر الأوروبية باتت تتساءل عما إذا كانت واشنطن تُعدّ "عدوًا" في بعض الجوانب.

هل أوروبا بحاجة للولايات المتحدة؟

لكن بعض المحللين يعتقدون أن خروج الولايات المتحدة من الناتو قد يكون مفيدًا لأوروبا.

يقول مورتز غريفرايث، الزميل في معهد البحوث العالمية بجامعة ويليام آند ماري: "بمجرد أن تقتنع الدول الحليفة بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على حمايتها، ستسرع في تعزيز قدراتها الدفاعية الخاصة". وأضاف أن هذا قد يؤدي إلى "أوروبا أقوى وليس أضعف".

رئيس وزراء بولندا، دونالد تاسك، يرى أن هذه العملية قد بدأت بالفعل، قائلًا: "أوروبا قادرة على الانتصار في أي مواجهة عسكرية أو مالية أو اقتصادية مع روسيا – نحن ببساطة أقوى. كنا فقط بحاجة إلى الإيمان بذلك، ويبدو أن هذا يحدث الآن".

ما الذي تمتلكه أوروبا عسكريًا؟

عند النظر إلى القدرات العسكرية، فإن أوروبا تمتلك إمكانيات هائلة.

تركيا لديها أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة، بـ 355,200 جندي، تليها فرنسا (202,200)، ألمانيا (179,850)، بولندا (164,100)، إيطاليا (161,850)، المملكة المتحدة (141,100)، اليونان (132,000)، وإسبانيا (122,200).

فيما يتعلق بالقوات البرية، تتصدر تركيا بـ 260,200 جندي، تليها فرنسا (113,800)، إيطاليا (94,000)، اليونان (93,000)، بولندا (90,600)، بريطانيا (78,800)، إسبانيا (70,200)، وألمانيا (60,650).

بالمقارنة، كان هناك حوالي 80,000 جندي أمريكي متمركزين في دول الناتو حتى يونيو 2024، معظمهم في ألمانيا (35,000)، إيطاليا (12,000)، والمملكة المتحدة (10,000)، وفقًا لتقرير خدمة الأبحاث في الكونغرس.

على صعيد المعدات، تمتلك بريطانيا وحدها حاملتي طائرات حديثتين قادرتين على إطلاق مقاتلات الشبح F-35B، بينما تمتلك فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حاملات طائرات أخرى. كما تحتفظ كل من فرنسا وبريطانيا بقوات نووية مستقلة عبر غواصات الصواريخ الباليستية.

وتمتلك الدول الأوروبية نحو 2,000 مقاتلة وهجومية أرضية، من بينها العشرات من مقاتلات F-35 الشبحية الحديثة. كما تشمل الترسانة العسكرية دبابات ألمانية من طراز ليوبارد، ودبابات بريطانية من طراز تشالنجر، وصواريخ كروز متطورة مثل SCALP/Storm Shadow.

استعدادات أوروبية لتعويض غياب أمريكا

يشير تقرير "التوازن العسكري 2025" إلى أن أوروبا تتخذ بالفعل خطوات لتعزيز قدراتها الدفاعية دون الاعتماد على الولايات المتحدة. ففي عام 2024، تعاونت ست دول أوروبية لتطوير صواريخ كروز برية، وزادت إنتاج الذخائر، ووسعت قاعدة مورديها لتشمل دولًا مثل البرازيل وإسرائيل وكوريا الجنوبية.

كما أن البنية التحتية العسكرية الأمريكية في أوروبا – بما في ذلك 31 قاعدة دائمة – لن تضيع حتى لو انسحبت واشنطن، إذ يمكن للحلفاء استخدامها إذا لزم الأمر.

ماذا بعد؟

يرى البعض أن الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من الناتو مجرد تهديدات من ترامب للضغط على الحلفاء لزيادة إنفاقهم الدفاعي.

ويشير المحللون إلى أن الوضع قد يتغير إذا لم يحصل ترامب على ما يريد من بوتين. فكما لم تنجح جهوده مع كوريا الشمالية لإقناع كيم جونغ أون بالتخلي عن ترسانته النووية، قد يجد ترامب نفسه مضطرًا للعودة إلى سياسة "العمل كالمعتاد" مع الناتو.

يقول بن شريير: "إذا حاول بوتين التلاعب بترامب أكثر من اللازم، فقد يدرك حتى ترامب أن الابتعاد عن الناتو ليس في مصلحته".