الخميس 13 مارس 2025 07:47 صـ 13 رمضان 1446 هـ
اقرأ الخبر
رئيس التحرير هبة عبد الحفيظ
×

الصين تتحدى ترامب: الولايات المتحدة لن توقف صعودنا

الأحد 9 مارس 2025 05:35 مـ 9 رمضان 1446 هـ
الزعيم الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بكين - اقرأ الخبر
الزعيم الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بكين - اقرأ الخبر

مع تصعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغوط الاقتصادية على الصين خلال الأسبوع الماضي، ردّت بكين برسالة واضحة: صعودها لن يتوقف.

جاء انعقاد اجتماع سياسي مهم في العاصمة ليشكل الخلفية المثالية لرد بكين. حيث يُعد اجتماع "الدورتين" – الذي يجمع الهيئة التشريعية الصورية في الصين وأعلى هيئة استشارية سياسية – الحدث الذي تكشف فيه الحكومة عن خططها وتحدد توجهاتها للعام المقبل.

أولوية الصين؟ تعزيز الطلب الاستهلاكي لضمان عدم اعتماد الاقتصاد الصيني الهائل، الذي يعاني من تباطؤ، على الصادرات. والأولوية التالية: دفع رؤية الرئيس شي جين بينغ لتحويل البلاد إلى قوة تكنولوجية عظمى من خلال زيادة الاستثمار وإشراك القطاع الخاص.

تتخذ بكين هذه الخطوات تحضيرًا لمواجهة اقتصادية طويلة الأمد محتملة مع الولايات المتحدة، حيث ضاعف ترامب الرسوم الإضافية على جميع الواردات الصينية إلى 20% يوم الثلاثاء، وهدد بفرض المزيد من القيود على الاستثمارات الأمريكية في الصين.

وقال لي تشيانغ، المسؤول الثاني في الصين، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الشعبي الوطني يوم الأربعاء أمام آلاف المندوبين في قاعة الشعب الكبرى في بكين: "يمكننا التغلب على أي صعوبة في سعينا نحو التنمية"، مضيفًا أن "السفينة العملاقة للاقتصاد الصيني ستبحر بثبات نحو المستقبل".

وكان رد وزارة الخارجية أكثر وضوحًا، إذ قال المتحدث باسمها يوم الثلاثاء: "إذا أصرت الولايات المتحدة على شن حرب رسوم جمركية، أو حرب تجارية، أو أي نوع آخر من الحروب، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية".

ورغم أن أولويات بكين وخطابها قد تعكس ما قيل في السنوات الماضية، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة. فالصين تستعيد ثقتها بعد أن تعرضت لانتكاسات بسبب قيود كورونا، وأزمة القطاع العقاري، والحرب التكنولوجية مع الولايات المتحدة.

تعزيز الثقة

كانت كلمة "الثقة" هي الشعار غير الرسمي لهذا الحدث الذي استمر أسبوعًا، حيث تكررت عشرات المرات في مؤتمر صحفي عقده مسؤولو الاقتصاد الصينيون يوم الخميس، وظهرت بكثرة في تغطية وسائل الإعلام الحكومية، كما اختُتم بها خطاب لي المتلفز على المستوى الوطني بقوله: "الثقة تبني القوة".

لكن هذا التفاؤل قد يكون أقرب إلى طموح أكثر منه إلى واقع. إذ ينظر كثيرون في الصين إلى المستقبل بقلق، حيث يفضلون الادخار على الإنفاق، ويكافح الشباب للعثور على وظائف، بينما يشعرون بعدم اليقين بشأن ما إذا كانت حياتهم ستكون أفضل من حياة آبائهم.

لكن على عكس العام الماضي، تدخل الصين عام 2025 مدعومة بنجاحات كبيرة لشركاتها وأسواقها التكنولوجية. وعلى الرغم من قلق بكين من عودة ترامب إلى المشهد السياسي، إلا أنها ترى أيضًا فرصًا لصعودها وسط هذا التحدي.

يقول العقيد المتقاعد في جيش التحرير الشعبي والباحث البارز في جامعة تسينغهوا، تشو بو، لشبكة CNN: "بحلول نهاية الولاية الثانية لترامب، ستتراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية ومصداقيتها"، مضيفًا: "ومع تراجع قوة أمريكا، ستبدو الصين بطبيعة الحال أكثر أهمية".

مؤشرات الثقة

هذا المزاج لا يقتصر فقط على دوائر السلطة.

ففي شوارع بكين، تتجول السيارات الكهربائية المحلية الصنع، مثل سيارات شركة "BYD" التي تنافس الآن شركة تسلا التابعة لإيلون ماسك في المبيعات العالمية – وهو دليل على نجاح الصين في أن تصبح رائدة في التكنولوجيا الخضراء.

سيارة كهربائية من إنتاج الشركة الصينية BYD
سيارة كهربائية من إنتاج الشركة الصينية BYD

كذلك، شهدت السينما الصينية نجاحًا هائلًا مع فيلم الأنيميشن "Ne Zha 2"، بالإضافة إلى النجاح المفاجئ لشركة الذكاء الاصطناعي الصينية "DeepSeek"، التي أثارت دهشة وادي السيليكون بسبب تقنيتها المتطورة في نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية.

في بكين هذا الأسبوع، أصبح السؤال الشائع في الأحاديث اليومية: "هل جربت DeepSeek؟"، تعبيرًا عن الفخر الوطني.

يقول وانغ ييوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رينمين في بكين: "العام الماضي، ربما تأثر الناس بالسردية الأمريكية التي تزعم أن الصين في حالة تراجع، أو أنها بلغت ذروتها"، مضيفًا: "لا تزال لدينا صعوبات كثيرة، لكننا لم نبلغ الذروة بعد".

حتى تركيز ترامب على التنافس الاقتصادي مع بكين عبر فرض تعريفات جمركية جديدة يُنظر إليه لدى البعض كدليل على مدى تقدم الصين.

يقول شيا، طالب دراسات عليا في الطب: "الصين تتطور بسرعة، وهذا جذب انتباه العالم، خاصة الولايات المتحدة"، مضيفًا: "زيادة ترامب للرسوم الجمركية تعني المنافسة... وإذا لم تكن هناك منافسة، فقد لا يكون تطور الصين المستقل مستدامًا".

منافسة عالية المخاطر

لكن رغم سعي المسؤولين الصينيين لإظهار الثقة، يرى المراقبون الدوليون أن إجراءات التحفيز الاقتصادي التي أعلنت عنها بكين تعكس استعدادها لتحديات كبرى قادمة.

وفي خطابه الافتتاحي، أشار لي إلى هذه التحديات قائلًا: "البيئة الخارجية تزداد تعقيدًا، ما قد يؤثر بشكل أكبر على التجارة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من المجالات".

لا تريد الصين التعامل مع هذه التقلبات في وقت تعاني فيه من اقتصاد ضعيف. ولهذا السبب، تحاول تعزيز الاستهلاك وتحفيز النمو، محددة هدفًا طموحًا للنمو الاقتصادي عند "حوالي 5%" هذا العام. كما تدرك أن التوترات التجارية تعني ضرورة تقليل الاعتماد على الصادرات.

لكن بعض المحللين يرون أن مبادرات بكين تفتقر إلى التفاصيل ولا ترقى إلى مستوى الإجراءات المطلوبة لتحفيز الاقتصاد وزيادة ثقة المستهلكين.

ويشير مايكل هيرسون، الباحث في مركز تحليل الصين بمعهد السياسة الآسيوية، إلى أن "القيادة الصينية ترغب في إعادة التركيز على النمو والتنمية، لكنها لا تزال تفضل اتخاذ الحد الأدنى الضروري من إجراءات التحفيز لتحقيق ذلك".

هل يشكل ترامب تهديدًا؟

لا يزال مدى تأثير سياسات ترامب على الصين سؤالًا مفتوحًا ومهمًا لبكين.

حتى الآن، لم يفرض الرئيس الأمريكي تعريفات جمركية شاملة بنسبة 60% أو أكثر على الواردات الصينية كما هدد خلال حملته الانتخابية، إذ يركز اهتمامه على ملفات أخرى، مثل تقليص المساعدات الخارجية الأمريكية، وتهديد سيادة دول أخرى، وإعادة ترتيب التحالفات الأمريكية، مع التقارب مع روسيا على حساب أوكرانيا.

لكن الصين قد تواجه مخاطر من هذا التغيير، مثل احتمال أن يؤدي تقارب واشنطن وموسكو إلى إبعاد شي عن أقرب حليف له، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو أن يؤدي تقليل أمريكا لانخراطها في أوروبا إلى تركيزها أكثر على آسيا.

في المقابل، يسعى الدبلوماسيون الصينيون لاستغلال هذه التغيرات لتعزيز صورة الصين كقوة عالمية مسؤولة ومستقرة، رغم انتقادات لسلوكها في آسيا.

يقول وزير الخارجية الصيني وانغ يي: "يجب على الدول الكبرى أن تفي بالتزاماتها الدولية وألا تضع مصالحها الخاصة فوق المبادئ"، مضيفًا: "الصين تعارض بحزم سياسة القوة والهيمنة".

وفيما يتعلق بالرسوم الجمركية، تحاول بكين ضبط ردود فعلها، منتظرةً لقاءً محتملاً بين شي وترامب أو حتى صفقة قد تمنع تصعيد الحرب التجارية.

وفي حين أن الصين ردت على مجموعتين من الرسوم الأمريكية هذا العام، إلا أن ردودها ظلت محسوبة. لكن مع تراجع فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، فإن هامش مناورتها في الحرب التجارية قد يكون محدودًا، ما يجعلها تفكر في خيارات أخرى مثل فرض قيود على الصادرات.

وفي النهاية، يرى بعض الخبراء أن فرض الرسوم على الصين قد يسبب لها ألمًا اقتصاديًا على المدى القصير، لكنه سيضر بالولايات المتحدة على المدى الطويل، إذ لا تزال الصين عنصرًا لا غنى عنه في سلاسل التوريد العالمية.