أميرة أبو شقة تكتب: تعرف تعد لحد كام؟!

خلال السنوات الأخيرة، أصبح الحديث عن الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع أكثر وضوحًا، حيث بات البعض يصنف المجتمع إلى فئتين: الأولى «أهل مصر»، والثانية «ناس إيجيبت»، في إشارة إلى التفاوت المتزايد في مستوى المعيشة، والخدمات الصحية، والتعليم، وحتى في نمط الحياة العمرانية.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، برزت هذه الفجوة بصورة أكثر وضوحًا، لتثير مشاعر الغضب والاستياء، خاصة بعد أن أصبحت شواهدها حقيقية وملموسة، تدفع البعض للتساؤل عن مدى التناقض المجتمعي الذي نعيشه.
إعلام بوفرة إنتاجية وأزمة في المحتوى
الإعلام، الذي يُفترض أن يكون ناقلًا لواقع المجتمع ومساهمًا في توعية الناس، يعاني من أزمة محتوى حادة رغم وفرة الإنتاج. أصبحنا نعيش حالة من التناقض الواضح، حيث يطل علينا شهر الرحمة والتكافل برسائل متناقضة تمامًا مع قيمه الأساسية، ليتجسد قول الشاعر:
"إني لأفتح عيني حين أفتحها.. على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدًا!"
ففي الوقت الذي يعاني فيه الملايين من المصريين من ضغوط اقتصادية خانقة، تطالعنا الشاشات بمحتوى درامي وبرامجي يكرّس الفجوة الطبقية، ويزيد من شعور البعض بالاستياء والاغتراب في وطنهم.
رمضان.. بين التكافل والاستفزاز!
لقد تعلمنا منذ الصغر أن رمضان هو شهر المساواة والرحمة، حيث يشعر الغني بجوع الفقير، ويزداد التكافل بين أفراد المجتمع. لكن اليوم، أصبح رمضان موسمًا للاستفزاز الطبقي، حيث تتخلل الإعلانات الدرامية والبرامج الترفيهية إعلانات أخرى تطلب من المشاهدين التبرع للفقراء والمحتاجين، يليها مباشرةً إعلانات الفيلات الفاخرة، والشاليهات الفارهة، والساعات الفخمة، والعطور الفاخرة، في مشهد متناقض يُكرّس فكرة أن المجتمع بات منقسمًا إلى طبقتين لا تلتقيان!
المفارقة أن المشاهد العادي يجد نفسه محاصرًا بين نداءات الاستغاثة لجمعيات خيرية ومستشفيات، ومظاهر البذخ والترف التي تعرضها الإعلانات الأخرى، وكأننا أمام نسخة سنوية من «التسول المنظم» مقابل «التفاخر الفج» بالثراء!
فجوة تتسع يومًا بعد يوم
مع تفاقم الغلاء، وارتفاع الأسعار، وتآكل الطبقة الوسطى، بات واضحًا أن المجتمع يتحرك في اتجاه أكثر خطورة، حيث يزداد الفقراء فقرًا، بينما يعيش الأثرياء في عالم منفصل، يزداد فيه الإسراف والبذخ إلى حد السَّفه.
لقد تجاوز الأمر مجرد الكسل والتراخي في رمضان، ليصبح الشهر الفضيل موسمًا للترفيه المبالغ فيه، وإضاعة الوقت في متابعة مسلسلات ذات محتوى متواضع، وبرامج مسابقات سطحية، وإعلانات تتجاوز تكلفتها المليارات، في وقت يعاني فيه ملايين المواطنين من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة.
الرسالة الضائعة.. والواقع الصادم
شهر رمضان، الذي يفترض أن يكون فرصة لإعادة ضبط النفس، بات يحمل في طياته كثيرًا من التناقضات التي تثير التساؤلات حول الهدف الحقيقي مما يُعرض على الشاشات. فبدلًا من تعزيز قيم الرحمة والتكافل، نرى استعراضًا مبالغًا فيه للثراء، وأجورًا فلكية للفنانين والمشاهير، تتخطى عشرات الملايين، في مشهد يزيد من حالة الاستفزاز المجتمعي!
وأخيرًا.. تعرف تعد لحد فين؟
ربما حان الوقت لنتوقف قليلًا، ونسأل أنفسنا: تعرف تعد لحد فين؟!
هل ندرك مدى تأثير هذا المحتوى الصادم على فئات واسعة من المجتمع؟ وهل نستوعب حجم التناقض الذي نعيشه بين واقع مليء بالمعاناة، وصورة زائفة تعرضها الشاشات؟
إنه تساؤل مشروع في زمن أصبحت فيه الفجوة بين الطبقات أكثر وضوحًا، و التناقضات الاجتماعية أكثر استفزازًا!