اقرأ الخبر

إدريس أحميد يكتب: العلاقات التونسية الليبية تاريخ مشترك ومستقبل متجدد

الثلاثاء 25 مارس 2025 04:28 مـ 25 رمضان 1446 هـ
ليبيا و تونس - اقرأ الخبر
ليبيا و تونس - اقرأ الخبر

تمثل العلاقات التونسية الليبية نموذجًا للعلاقات المتجذرة بين الشعوب، حيث يجمع البلدين تاريخ مشترك، وروابط اجتماعية وثقافية متينة، إضافة إلى مصالح سياسية واقتصادية متداخلة. وقد شهدت هذه العلاقات مراحل مختلفة من التعاون والتوتر، إلا أن الجغرافيا والتاريخ يفرضان استمرارها وتطورها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

في هذا المقال، سنناقش أبرز محددات هذه العلاقات من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

الروابط الاجتماعية والثقافية

العلاقات السياسية

العلاقات الاقتصادية والتجارية

أولًا: الروابط الاجتماعية والثقافية ودورها في حتمية العلاقة

تمثل الروابط الاجتماعية والثقافية بين تونس وليبيا أحد العوامل الرئيسية التي تعزز التقارب بين البلدين. فقد أسهم التداخل السكاني بين المناطق الحدودية، لا سيما بين الجنوب التونسي وغرب ليبيا، في خلق وحدة اجتماعية تتجلى في العادات والتقاليد المشتركة، مثل الزواج المختلط والتعاون الأسري والقبلي.

كما لعبت اللغة والدين دورًا محوريًا في تعزيز هذا الترابط، حيث يتشارك الشعبان في الهوية العربية الإسلامية. وقد انعكس هذا التقارب الثقافي في انتشار اللهجة الليبية في الجنوب التونسي والعكس صحيح، فضلًا عن تبادل الفنون والموسيقى والموروث الشعبي بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر الهجرة المتبادلة بين البلدين عاملًا مهمًا في توطيد الروابط الاجتماعية، حيث شهدت تونس تدفق آلاف الليبيين، خاصة خلال الأزمات السياسية في ليبيا، كما يتوجه التونسيون إلى ليبيا للعمل في مختلف القطاعات، مما خلق مجتمعًا متداخلًا ومتفاعلًا بين الشعبين.

ثانيًا: العلاقات السياسية

اتسمت العلاقات السياسية بين تونس وليبيا عبر العقود بالتقلبات، حيث مرت بفترات من التعاون الوثيق وأخرى من التوتر بسبب التحولات السياسية في كلا البلدين.

في فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، تميزت العلاقة بين البلدين بالتقارب الحذر، إذ كانت تونس تتبع سياسة الحياد الإيجابي، بينما تبنت ليبيا تحت حكم معمر القذافي سياسات ثورية مختلفة.

خلال حكم زين العابدين بن علي، شهدت العلاقات تنسيقًا وتعاونًا في مختلف المجالات، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية، خاصة في مجال التنقل والتعاون الاقتصادي.

بعد الثورة التونسية عام 2011، تأثرت العلاقة بشكل مباشر بالوضع الأمني والسياسي في ليبيا، حيث استقبلت تونس موجات كبيرة من اللاجئين الليبيين، وسعت إلى لعب دور الوسيط في حل الأزمة الليبية، خاصة من خلال دعم الحوارات السياسية بين الفرقاء الليبيين، والتي لقيت ترحيبًا واسعًا، انطلاقًا من حرص تونس على أمن واستقرار ليبيا.

في السنوات الأخيرة، حاولت تونس الحفاظ على موقف متوازن بين مختلف الأطراف الليبية، حيث تبنت سياسة عدم التدخل المباشر في الشأن الليبي، مع دعم الاستقرار السياسي من خلال المبادرات الدبلوماسية والحوار.

ثالثًا: العلاقات الاقتصادية والتجارية

تشكل العلاقات الاقتصادية بين تونس وليبيا أحد أهم مجالات التعاون بين البلدين، حيث تمثل ليبيا سوقًا رئيسية للمنتجات التونسية، فيما تعتمد تونس على النفط الليبي كأحد مصادر الطاقة.

التبادل التجاري

رغم التحديات السياسية والأمنية، استمر التبادل التجاري بين البلدين، حيث تعد ليبيا من أهم الشركاء التجاريين لتونس. وتشمل الصادرات التونسية إلى ليبيا المنتجات الغذائية، والأدوية، والمنتجات الصناعية، في حين تستورد تونس النفط والغاز من ليبيا.

المحلل السياسي الليبي إدريس أحميد

الاستثمارات المشتركة

شهدت الفترة الماضية تحفيزًا للاستثمارات المشتركة، خاصة في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والخدمات، حيث تعمل العديد من الشركات التونسية في ليبيا والعكس.

العمالة والتنقل

تعتبر ليبيا وجهة تقليدية للعمالة التونسية، في حين يتوجه الليبيون إلى تونس للعلاج أو السياحة العلاجية، ما يساهم في تقوية العلاقات الاقتصادية ويشكل مصدر دخل مهمًا للاقتصاد التونسي.

ورغم التحديات التي تواجه هذا التعاون، مثل عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، فإن هناك جهودًا مستمرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية من خلال الاتفاقيات الثنائية، وتسهيل حركة البضائع والأفراد عبر المعابر الحدودية.

دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في تعزيز العلاقات

مع انتشار العديد من القنوات والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية في البلدين، أصبح لوسائل الإعلام دورٌ محوري في توجيه الخطاب العام نحو تعزيز العلاقات الثنائية.

ينبغي على هذه المنصات الإعلامية تقديم محتوى يذكر بالروابط المتينة والمصير المشترك بين الشعبين، إلى جانب توعية الجماهير بحتمية هذه العلاقة من خلال نظرة إيجابية تسهم في تجاوز الخلافات.

كما يتعين على المثقفين والنخب في البلدين العمل على تعزيز الوعي المجتمعي، ومكافحة التصرفات السلبية التي قد تصدر عن قلة قليلة من الأفراد، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل إبراز الدور الإيجابي للغالبية العظمى التي تؤمن بوحدة المصير.

في النهاية تمثل العلاقات التونسية الليبية نموذجًا للعلاقات المتشابكة التي تجمع بين الروابط الاجتماعية والثقافية، والمصالح السياسية والاقتصادية.

ورغم التحديات التي مرت بها هذه العلاقة، فإن الجغرافيا والمصالح المشتركة تفرضان استمرارها وتعزيزها.

ومع تحسن الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وتعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، يمكن أن تشهد العلاقات بين البلدين تطورًا إيجابيًا يعزز التكامل والتعاون في مختلف المجالات، لصالح الشعب الواحد في البلد الواحد، رغم الحدود الوهمية!