اقرأ الخبر

إدريس أحميد يكتب: الأزمة الليبية وآفاقها المستقبلية

الأحد 9 مارس 2025 04:44 صـ 9 رمضان 1446 هـ
إدريس أحميد صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي من ليبيا
إدريس أحميد صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي من ليبيا

تُعد الأزمة الليبية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في المنطقة العربية، إذ نشأت بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، وتحولت إلى صراع متعدد الأوجه بين قوى محلية ودولية. ومع استمرار الانقسامات السياسية والعسكرية، أصبح البحث عن حل دائم يشكل تحديًا كبيرًا.

أسباب الأزمة الليبية وتطوراتها

تعود جذور الأزمة الليبية إلى انهيار مؤسسات الدولة بعد سقوط القذافي، مما أدى إلى فراغ سياسي وأمني استغلته الميليشيات والجماعات المسلحة. كما ساهمت الانقسامات القبلية والإقليمية في نشوء حكومات متنافسة، حيث انقسمت البلاد بين الشرق والغرب، ما جعل ليبيا ساحةً لصراع نفوذ بين قوى مختلفة.

كما لعبت الموارد النفطية دورًا رئيسيًا في تأجيج النزاع، إذ سعت الأطراف المتصارعة إلى السيطرة على الموانئ والمنشآت النفطية، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي والسياسي وعرقل فرص التوصل إلى تسوية شاملة.

التدخلات الدولية والإقليمية

لا شك أن التدخلات الخارجية تعد أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الأزمة الليبية، حيث دعمت بعض الدول أطرافًا معينة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. أما تدخل الأمم المتحدة، الذي كان سريعًا في عام 2011، فقد تحول إلى إدارة الأزمة بدلًا من حلها، بسبب الخلافات بين الدول الكبرى. وعلى الرغم من توقيع اتفاقات سياسية، مثل اتفاق الصخيرات 2015 واتفاق جنيف 2021، فإنها لم تحل الأزمة، حيث بقيت حلولًا مؤقتة لا تعالج جذور الصراع.

ورغم تعيين 10 مبعوثين أمميين حتى الآن، لا تزال جهود الأمم المتحدة غير قادرة على تحقيق اختراق حقيقي، ما لم يكن هناك توافق دولي، وإرادة ليبية حقيقية للخروج من الأزمة عبر حلول مستدامة.

ومع استمرار الأزمة الليبية، تزداد تعقيداتها بسبب المتغيرات الدولية والصراع بين القوى الكبرى.

فقد أصبحت ليبيا نقطة تقاطع للمصالح الدولية والإقليمية، حيث يستخدمها الفاعلون الخارجيون لتحقيق أجنداتهم في المنطقة.

التحديات المستقبلية وآفاق الحل

رغم المحاولات المستمرة للوصول إلى تسوية سياسية، لا تزال ليبيا تواجه تحديات كبرى، أبرزها:

غياب حكومة موحدة: استمرار الانقسامات بين الشرق والغرب يعيق تحقيق الاستقرار السياسي.

التحديات الأمنية: انتشار السلاح والميليشيات المسلحة يمنع بناء جيش وطني موحد، رغم جهود اللجنة العسكرية 5+5، في ظل وجود مؤسسة عسكرية تمثل القيادة العامة للجيش الليبي، التي استطاعت السيطرة على ثلثي مساحة البلاد وتأمين الحدود مع دول الجوار.

إعادة بناء الاقتصاد: رغم الثروة النفطية، فإن الأزمات السياسية أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي، ما يتطلب إصلاحات لجذب الاستثمارات.

إجراء الانتخابات: يُعَد تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحديًا أساسيًا في ظل الخلافات السياسية، مما يتطلب توافقًا وطنيًا على القوانين الانتخابية.


وبعد أكثر من عقد على الأزمة، وإجراء انتخابات مرتين، وإفشال انتخابات 2021، يتضح أن الليبيين ليسوا جاهزين بعد لإجراء انتخابات تعكس وعيًا حقيقيًا بأهميتها. فالمجتمع الليبي بحاجة إلى إنهاء الفوضى، وترتيب الأولويات التي تسبق الانتخابات، إذ لا يمكن تصور نجاح انتخابات في ظل انعدام الأمن، والانقسامات المجتمعية والقبلية والمناطقية، وغياب المصالحة الوطنية.

في النهاية لا تزال الأزمة الليبية معقدة بسبب تداخل العوامل الداخلية والخارجية، لكن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار عبر حوار وطني شامل، وضغط دولي لإنهاء التدخلات الأجنبية، وتهيئة المناخ المناسب لإجراء انتخابات شفافة تؤدي إلى تشكيل حكومة موحدة.

ورغم التحديات، يبقى مستقبل ليبيا مرهونًا بقدرة الأطراف المختلفة على تجاوز الخلافات، والالتزام بحلول حقيقية تضمن استقرار البلاد ونهضتها.