اقرأ الخبر

هادي جلو مرعي يكتب: جائزة أسوأ شخصية لهذا العام

الأحد 9 مارس 2025 02:44 صـ 9 رمضان 1446 هـ
المحلل السياسي العراقي هادي جلو مرعي
المحلل السياسي العراقي هادي جلو مرعي


فتَّشتُ كثيرًا عن شخصية سيئة تستحق تصدُّر قائمة الشخصيات الأكثر سوءًا لنيل جائزة أسوأ شخصية لهذا العام، لكني للأسف لم أجد أحدًا! الجميع هم الأفضل، والأحسن، والأكمل، والأجمل، ويستحقون أن تتناثر الجوائز على رؤوسهم، ويُكرَّمون كما لم يُكرَّم أحد من قبل، ولا من بعد.

في بلدٍ يعاني سياسيًا، يكافح اقتصاديًا، يسعى للفوز رياضيًا، يبحث عن الهوية ثقافيًا، تتنازعه الطائفية والقومية والمناطقية والعشائرية، تتقاذفه طموحات الزعامات، وتنهشه أنياب العداوات، وتأخذه التدخلات الخارجية إلى مساحات لا مصلحة له فيها، كيف يمكن أن نختار الأفضل فيه؟ الأفضل هو من يقلب المعادلات، ويغير الأحوال إلى أحسن حال، وليس من يتقمص الأدوار، ويستولي على الديار، ويستحوذ على ما شاء. فهذا ليس بصانع تغيير، ولا مصلح، ولا منتِج، لأنه اشتغل لنفسه، وليس لشعبه، فكيف يكون الأفضل؟

مع نهاية كل عام، تتهافت الاستفتاءات والاستطلاعات والتصويت بطرق مختلفة لاختيار الأفضل بين الوزراء، والشعراء، والتجار، والثوار، والمدراء، والخبراء، والفنانين، والصحفيين، ورؤساء الهيئات، وأصحاب الشركات، والذين يُظن أنهم مبدعون في مجالاتهم. لكن السؤال الأهم: كيف تتاح لنا كل هذه المهرجانات والفعاليات والتكريمات، بينما نجد أشخاصًا بعضهم لا يجيد حتى الإمساك بالقلم، ومنهم من لا يفرّق بين "لا" و"نعم"، ومنهم من تطاول وتربَّع في مكان ليس له، ولا يستحقه، لأنه لا يمتلك المؤهلات والقدرات، بل جاء بترشيح من حزب أو جهة لتصدر المشهد، ليس لأنه مستحق، ولكن لأنه يضمن مصالح تلك الجهة.

يمكنك أن تكون بطلًا في مهرجان "الأفضل"، وتحصل على جائزة، ما دمت قادرًا على تقديم بعض الدعم المالي للجهة المنظمة. حينها، ستتحول إلى "خير عباد الله كلهم"، وتصبح في الريادة، وتليق بك القيادة، وتكون رجلًا فوق العادة، بل وتُنسب إليك إنجازات لم يستطع تحقيقها الأوائل، حتى وإن كانت دائرتك فاسدة، ومؤسستك غارقة في الخراب، ومدَّة مسؤوليتك مليئة بالفشل. وما دمت قررت الدفع، فأنت "الأفضل لهذا العام"، وإذا دفعت في العام المقبل، فأنت الأفضل أيضًا، ويمكن أن تكون الأفضل في كل عام، ما دمت تدفع!

بعض هذه المهرجانات تعتمد الارتجال والاستعجال، وليس لديها شيء محال، فتنسى الأخيار، وتكرّم الأشرار. سواء كان التكريم نتيجة مال أو صداقة أو علاقة، فهو تكريم زائف، يتجاهل الشخصيات المبدعة والمتجددة، ويكرّم البعض، لكنه في الحقيقة يهين سواهم. والأجدر أن تكون الدولة وصية على تلك المهرجانات التي تهين الإبداع، خاصة عندما يعتلي المنصة صحفي فاشل، أو فنان متهتك، أو مسؤول فاسد. وما يثير القلق أكثر أن هؤلاء يُعلنون تكريم ضباط كبار ومسؤولين في الدولة، ولا أدري كيف يقبل ضابط مهمته ضبط الأمن أن يكون في قاعة يملؤها الهرج والمرج ليُقال عنه: "الأفضل"، وهو ليس الأفضل حتمًا، ولا جديرًا بالتكريم.

ولأنني لم أجد الأسوأ، مادام الجميع يرى في نفسه "الأفضل"، قررت ترشيح نفسي لجائزة "أسوأ شخصية لهذا العام"، بانتظار جهة ممولة تشتري لي الجائزة، وتقدّمها لي في حفل رأس السنة الميلادية!