هاني الجمل يكتب: سوريا إلى أين؟

يبدو أن المشهد السوري يزداد ضبابية وتعقيدًا، خاصة بعد تصاعد الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل، حيث قُتل ما يقرب من 220 شخصًا، بينهم 93 من قوات الأمن التابعة للسلطة القائمة، بينما ينتمي البقية إلى مجموعات مسلحة معارضة، في مشهد يعيد إلى الأذهان النزاعات الدموية التي عصفت بسوريا خلال السنوات الماضية.
مشهد دموي متكرر
التوترات الأخيرة في الساحل السوري تأتي امتدادًا لما شهدته مناطق أخرى، مثل السويداء، من أعمال عنف وتفجيرات متكررة. ويعكس ذلك هشاشة الوضع الأمني والانقسام العميق بين السلطة والفئات المختلفة داخل البلاد.
فالانسجام بين السلطة الحاكمة والتوافق الشعبي يبدو بعيد المنال، لا سيما في ظل الانقسامات الإثنية والطائفية التي تعمّق الفجوة بين مكونات المجتمع السوري.
كما أن ظهور العلم "الدوتي" في بعض المناطق يعكس مدى تغلغل الأبعاد الفئوية والحزبية في الأزمة السورية، وهو ما يثير مخاوف من تصاعد النزاعات المسلحة واتساع رقعة الصراع.
مواجهة معقدة مع الجماعات المسلحة
على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها المجموعات المسلحة المعارضة، فإن المواجهة مع السلطة الحاكمة لا تزال محتدمة.
فهذه الجماعات ليست مجرد قوى محلية معارضة، بل تعتمد على مقاتلين من خلفيات أيديولوجية متشددة، كانوا وما زالوا يُصنفون ضمن التنظيمات الإرهابية.
كما أن لديهم خبرة واسعة في القتال داخل المدن والشوارع، مما يجعل القضاء عليهم تحديًا كبيرًا أمام القوات النظامية.
وفي هذا السياق، دعت القيادة السياسية في سوريا، ممثلة بالسيد أحمد الشرع، إلى التفاوض مع الأعيان في المناطق المتوترة بهدف تحقيق الاستقرار عبر تسليم السلاح غير الشرعي وحصره في يد القوات النظامية، بالإضافة إلى التبليغ عن العناصر الأجنبية المسلحة. غير أن هذه الجهود تصطدم بواقع معقد، حيث تسود حالة من عدم الثقة بين السلطة والفئات المختلفة داخل المجتمع السوري.
نزوح واسع ومخاوف من التقسيم
مع تدهور الأوضاع الأمنية، شهدت مناطق الشمال السوري موجات نزوح كبيرة باتجاه الحدود اللبنانية، مما يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي تعاني منها البلاد. فالمشهد في سوريا بات يتجه نحو مزيد من التعقيد، خاصة في ظل التدخلات الخارجية المتزايدة، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية، مثل إسرائيل، الولايات المتحدة، تركيا، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في رسم مستقبل البلاد.
وفي ظل هذه التطورات، تتزايد المخاوف من تقسيم سوريا إلى كيانات متفرقة، لا سيما مع استمرار التوترات بين المكونات المختلفة، ورفض بعض الفصائل، مثل "قسد"، تسليم أسلحتها والاندماج في الجيش السوري الرسمي. ومع بقاء الأوضاع على ما هي عليه، فإن المشهد السوري يبدو مهيئًا لمزيد من الاضطرابات، ما لم يتم التوصل إلى حلول سياسية حقيقية تُنهي دوامة العنف المستمرة منذ أكثر من عقد.
خلاصة المشهد
تمر سوريا بمرحلة حرجة، حيث تتصاعد أعمال العنف، وتتفاقم الأزمة الإنسانية، فيما لا تزال الجهود السياسية متعثرة بسبب غياب رؤية وطنية جامعة. وبينما تسعى السلطة لبسط سيطرتها عبر عمليات عسكرية ومفاوضات محلية، فإن العقبات التي تفرضها التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية تجعل الوصول إلى حل شامل أمرًا بالغ الصعوبة.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تسير سوريا نحو الاستقرار أم إلى مزيد من التفكك والصراعات المستمرة؟